عرب وعالم

إيران وإسرائيل.. بين تبادل الرسائل والخوف من "انفجار شامل"

محمد الرخا - دبي - الأربعاء 17 أبريل 2024 03:03 مساءً - لا يخلو الرد العسكري الإيراني على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق من رسائل ودلالات حرصت طهران على تبليغها إلى الداخل الإيراني أولًا، وإلى تل أبيب ثانيًا، وإلى العالم بشكل عام ثالثًا.

وبعيدًا عن الاستعراض والحماس المبالغ فيه من بعض المتابعين حيال العملية العسكرية الإيرانية، وبعد هدوء أزيز الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية، يمكن القول إنّ ما أقدمت عليه طهران لم يكن سوى محاولة لـ "رد الاعتبار" لها ولسيادتها.

ولم يكن الهجوم البتة انتصاراً لغزة أو ردّا على الحرب التي تخوضها إسرائيل هناك منذ نحو 200 يوم، ولا رغبة من طهران في اقتحام هذه الحرب.

والنظر في دلالات الرد الإيراني يستوجب قراءة هادئة عقلانية للوضع بعيدا عن المزايدات أو الخطابات التي تدغدغ المشاعر، والموجهة للاستهلاك الداخلي وامتصاص غضب الشارع الإيراني، وبعض من الشارع العربي، الذي يراهن على طهران ووكلائها في المنطقة لردع إسرائيل.

دلالات بعيداً عن المزايدات

ومن دلالات الهجوم أن الرد الإيراني لم يكن إعلان حرب ولا توسيعاً لجبهتها ولا "توحيداً للساحات" وإنما هو "رد محدود" له هدفه ورسالته، وأساساً إنقاذ صورة إيران كقوة إقليمية، أن طهران أبلغت دول الجوار وأبلغت واشنطن، عبر سويسرا، بموعد وطريقة وتفاصيل عمليتها العسكرية وأكدت أنها لا ترغب في التصعيد ولا تسعى إلى توسيع دائرة التوتر في المنطقة.

وتُدرك السلطات الإيرانية جيّداً أن الرأي العام الداخلي على يقين بأنّه ليس من مصلحة طهران التصعيد ولا الانخراط في حرب غير محسوبة العواقب مع إسرائيل في هذه المرحلة ولا حتى في مرحلة ما بعد حرب غزة، لكنها كانت أمام حتمية إحراز "إنجاز" ما يُشبع رغبات من اعتاد على تقييم الأمور ووزنها بميزان العاطفة فحسب، وهم كُثر.

وأكدت تقارير استخباراتية أمريكية قبل أيام من الرد الإيراني في الليلة الفاصلة بين 14 و15 أبريل الجاري أنّ طهران أعدت خطتها للرد وضبطت الموعد وطريقة الردّ وحدوده، ولا شيء من العملية كان مخفيّا أو يحمل عنصر المباغتة، ما يعزز نزوع طهران نحو الإنذار و"رد الاعتبار" دون التورط في الحرب.

ويمثل هذا الإقرار الإيراني بحد ذاته ردّا على الأطراف التي حمّلت العملية العسكرية الإيرانية أكثر مما تحتمل وقدّمتها على غير المقصد الذي كانت طهران نفسها تقصده، فلا الوضع الداخلي الإيراني ولا القدرات العسكرية المتوفرة لدى طهران، ولا الظرف الإقليمي ولا الدولي تسمح بمغامرة لو كانت طهران ترغب في خوضها لبدأتها منذ السابع من أكتوبر الماضي.

لكن كل ذلك لا يشفع لطهران بأن تكون في مأمن من الرد الإسرائيلي، الذي بات مؤكدا وفق ما أجمعت عليه تقارير استخباراتية ولكن بطريقة "مدروسة ومفاجئة" لا تفتح المجال لاتساع الحريق الإقليمي ولا تؤدي في الوقت ذاته إلى انفجار مواجهة مباشرة لا أحد من الطرفين يرغب فيها.

الرد قادم

وتعلم إيران جيدا أنّ الرد الإسرائيلي قادم، وتعلم أنه تأخر نسبيا وللتأخّر أسبابه ووجاهته، وهذا ما قد يعكس طبيعة الرد المرتقب وعنصر المفاجأة الذي قد يحمله.

فالجيش الإسرائيلي الذي ينشغل بحربه في غزة ويسعى إلى إيجاد مخرج من "مأزق اجتياح رفح" لا يبدو اليوم مستعدا لفتح جبهة عسكرية على قدر من الأهمية والخطورة، والانتقال من "حرب العصابات" التي يخوضها بشكل ما في غزة إلى حرب يواجه فيها دولة بتنظيمها العسكري وبعقيدة قتالية لا تخفى على أحد. 

ومن ثمة فإنه يتطلع إلى أهداف أكبر من مجرد الردّ على مناوشة بل استثمارها على النحو الأكمل لتحقيق غاية أشمل وهي تحييد إيران ومحورها ووكلائها في المنطقة وإيجاد مبرّر لاستكمال الحرب في غزة والذهاب بالهدف المعلن من الحرب، وهو القضاء على حركة "حماس"، حتى النهاية.

ولا شكّ أن إيران تُدرك ذلك جيدا، وهي مستعدة لهذا الرد الإسرائيلي، الذي قد يكون "محدودا" أيضا لكنه قد يكون موجعا ورادعا بشكل أكبر، وهكذا تبدو الرسائل متبادلة ومفهومة جيدا بين الجانبين.  

ويبدو من الثابت اليوم أن لا أحد يرغب في توسيع دائرة الصراع والصدام وأنّ الجميع خاسر إذا ما انجرّت المنطقة إلى مواجهة عسكرية واسعة لا يُعلم مدى تأثيراتها وتداعياتها.

قد تقرأ أيضا