عرب وعالم

حراك الجامعات يكشف زيف الشعارات الأمريكية عن الحرية والديمقراطية

  • 1/2
  • 2/2

محمد الرخا - دبي - الخميس 2 مايو 2024 06:03 مساءً - وهم يغادرون بوابة معهد ماساتشوستس الأمريكي للتكنولوجيا، مساء يوم الثلاثاء الماضي، بعد أن فضّ الحرس الوطني اعتصامهم المؤيد للفلسطينيين بالقوة، علّق الطلاب على جدران الجامعة نُسخًا من مقال كتبه الأستاذ في المعهد، المفكر الشهير نعوم تشومسكي، قبل عشر سنوات في صحيفة الغارديان البريطانية بعنوان "لماذا يكرهون أمريكا؟".

في ذلك المقال يستذكر تشومسكي أن الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور، كان سأل معاونيه عن سبب كراهية الناس في الشرق الأوسط للولايات المتحدة، الذين أخبروه بأن العرب كما غيرهم يعجبون بأشياء كثيرة في أمريكا، وفي مقدمتها الحرية كما هو منصوص عليها في الدستور.

لكن عندما تتصرف الإدارات الأمريكية بمنطق التعسف والانحياز الظالم فإن الطبيعي البديهي أن يعلو الصوت بالانتقاد الذي لا يحتمله البيت الأبيض.

هذه المرّة ليس العرب وحدهم الذين يسجلون على الإدارة والسياسة الأمريكية صلفها في الجهر بالانحياز وقمع الحريات وإملاء المصالح الفرعية، تجاوزًا على الدستور الأمريكي نفسه، بل إن الأمريكيين أنفسهم تحسسوا ذلك وجهروا به بشكل غير مسبوق.

وأظهرت حصيلة أسبوعين ونيّف من الحراكات الطلابية التي عمّت الجامعات الأمريكية ووصلت أوروبا، أن واشنطن الرسمية وهي لا تفتأ تستخدم شعارات الديمقراطية والحرية لملاحقة ومحاصرة الدول والأنظمة الأخرى في مختلف أنحاء العالم، وتعامل بطريقة معاكسة عندما تشتبك مع مصالحها الأخرى.

فقد اشتبك حراك الجامعات مع أكثر من مصلحة للبيت الأبيض، وكانت النتيجة تعسّفا أمنيا في فض الاعتصامات، وكسرًا للثوابت المفترضة، وكشَف عن انفصام سياسي وأخلاقي.

مظاهرات في جامعة كولومبيا الأمريكيةرويترز

منذ 17 أبريل/نيسان الماضي ما كان كافيا لأصوات نافذة داخل وخارج الولايات المتحدة بأن ترى في المكاسرة الحالية ما يماثل أو يتجاوز إضرابات طلابية سابقة شكّلت منعطفات ذات تأثير كبير.

فقد بدأت المظاهرات في جامعة كولومبيا، حيث نظم تحالف طلابي يضم أكثر من 120 منظمة طلابية وأعضاء هيئة التدريس اعتصاما، ونصبوا خياما على أرض الجامعة. قاد الحراك نواد طلابية في الجامعات، والكثير منها نواد يهودية تنادي بالسلام، حيث شارك بالاعتصامات طلاب من شتى الجنسيات والديانات والأعراق.

كان الاحتجاج سلميًّا بكل المقاييس، انتفاضة طلابية احتجاجا على ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة، واستنكارا للمواقف الأمريكية التي بدت متماهية مع الرواية الإسرائيلية.

لكن موقف الإدارة والدولة العميقة والكونغرس تجاه هذا الحراك، جاءت غير متسقة مع المبادئ المرعيّة، سواء لجهة الاتهامات بالعنصرية للحراكات، أو باستخدام الشرطة في قمعها. ما صنع حالة من الغضب بين جمهور منصات التواصل حول العالم، كما أثار الجدل بين الأمريكيين بين من أيده وبين من اعتبره خطأ في الرقابة وانتهاكا لحرية الرأي والتعبير.

هذا الوضع كما جرى تشخيصه في الصحافة الأمريكية، جعل الجامعات بين سندان الاحتجاجات ومطرقة السياسة. فقد وجّه 26 عضوا في الكونغرس الأمريكي رسالة إلى وزير العدل ميريك غارلاند يطالبونه فيها باستعادة "النظام في الجامعات التي تم إغلاقها من قبل العصابات".

كما زار رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، جامعة كولومبيا يوم الأربعاء 24 أبريل/نيسان، ودعا رئيسة الجامعة إلى الاستقالة إذا لم تتم السيطرة على الاحتجاجات.

وقال: "إذا لم يتم احتواء هذا بسرعة.. فهناك وقت مناسب للحرس الوطني"، وهو ما حصل فعلا منتصف الأسبوع الحالي باقتحام الحرم الجامعي وشكّل اختبارًا أخلاقيًّا وسياسيًّا خسرته الإدارة الأمريكية، وتساءل معه عدد من المعلقين الأمريكيين والأوروبيين عن هذه الفواتير والطريقة التي سيجري فيها تسديدها.

فواتير ثقيلة

في رصده لمجريات وتداعيات الحراك الطلابي الأمريكي، يسجل موقع "الخليج الان" تقديرات ذوي اختصاص بأن انكشاف زيف الادعاءات الأمريكية بالحرية والديمقراطية، جاء هذه المرة عاصفًا عريضًا ويستدعي بالضرورة أثمانا بعضها قصير الأمد، ومعظمها مستدام.

أول هذه الفواتير، واجبة التسديد في الانتخابات الرئاسية قبل نهاية العام الحالي، هي التي ستطال حظوظ الرئيس الحالي جو بايدن نتيجة هذا الطوفان الشبابي الذي يقود حراكا يسحب من رصيده.

ويقرأ محللون في نتائج الاستطلاعات بشأن ما حدث، أن الإدانات التي ترتبت على ما حصل لا تنحصر فقط بإدارة بايدن، وإنما تُدين عقلية ونهج الدولة، التي تخوض في أوروبا كما في شرق آسيا معركة تغيير النظام العالمي، وهي تستشعر أن نظام القطب الواحد الراهن بات محكومًا بالانتهاء، وأنه بات عليها أن تتبلور بسرعة وبوضوح لمعرفة أين ستقف في نظام جديد متعدد الأقطاب يحتفظ لأمريكا بذكريات معظمها لا يسرّ وغير مطمئن.

أخبار ذات صلة

محللون: مظاهرات الجامعات تهدد أمريكا بسيناريو "مخيف"

صحيفة الـ"واشنطن بوست"، وفي ذروة التحليلات والتكهنات عن الثمن الذي سيدفعه النظام الأمريكي مقابل صدمة حراك الجامعات، نقلت الأسبوع الماضي عن المعلق الأمريكي البارز ديفيد إغناتيوس، أن دراسة معمقة أجرتها مؤسسة "راند" للأبحاث بتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، أكدت أن الولايات المتحدة ربما تتجه نحو منحدر لم تتعافَ منه سوى القليل من الدول العظمى.

وكشفت مؤسسة "راند" في هذه الدراسة أن عدم المبادرة إلى اتخاذ إصلاحات جذرية يعني انهيار الولايات المتحدة.

يقول أغناطيوس، إن تقرير راند "المتفجر" يؤكد أن الولايات المتحدة تمتلك أدوات عديدة للتعافي وتفادي مخاطر ذلك الانحدار، لكن المشكلة أنها لا تمتلك حتى الآن اعترافًا جماعيًّا بالمشكلة وكيفية حلها.

ويتساءل التقرير عن الأسباب التي أدت إلى التراجع النسبي لمكانة الولايات المتحدة.

وفي إجابته يعرض كيف أن الموقف التنافسي الأمريكي مهدد من الداخل بمؤثرات عديدة بينها الاستقطاب السياسي، وبيئة المعلومات غير الصحيحة. مثلما هو مهدد من الخارج بالتحديات التي تفرضها الصين كقوة عظمى، وتراجع احترام عشرات الدول النامية للولايات المتحدة.

تقرير "راند" الذي يقرأ في سرعة تراجع الهيبة والمصداقية والقوة الأمريكية، جرى إعداده قبل حراك الجامعات الذي كشف زيف الادعاءات الأمريكية عن الحرية، والديمقراطية، وحق الرأي.

وفي تقدير محللين أن حدثي حراك الجامعات وتقرير "راند"، يكملان بعضهما في المحتوى والرسالة المراد توصيلها، وكذلك في التوقيت.

Advertisements
Advertisements

قد تقرأ أيضا